19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. محمد الشعال: ارتباط المسلم بمجالس العلم يقيه من الزلل والانتكاس بعد رمضان

25 يونيو 2018

مضى شهر الخير والرحمات، شهر العتق والغفران، أدى فيه الناس العبادات بفضل الله وعونه، وبذلوا الصدقات بتوفيقه وواسع كرمه، نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا رمضان الكريم، وأن يتجاوز عما قصرنا فيه، وأن يجعله في حرز القبول عنده سبحانه.
فما الذي ينبغي على كل منا بعد رمضان؟
يقول فضيلة الدكتور محمد خير الشعال، الداعية والمحاضر، أن الهدف الأول للصيام هو حصول التقوى، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، ومن كانت التقوى هي حاله في الدنيا، كان الفوز والنجاة حاله في الآخرة، ولكي تستمر هذه الحالة من التقوى، مطلوب من كل مسلم بعد رمضان أربعة أمور:
أولها ترك الحرام وشبهاته، وثانيها إتقان الفرائض، وثالثها أداء ما استطاع من النوافل، والرابع أن يحافظ على حضور مجلس علم على الأقل مرة أسبوعيا.
أما عن ترك الحرام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتق المحارم تكن أعبد الناس) [أخرجه أحمد والترمذي]، ويقول بعض العلماء: "هذا الدين أفعال وتروك"، والمسلم يتدرب في الصوم أن يترك الماء والطعام وهما في الأصل حلال، وهذا تدريب للنفس أن تقوى على ترك الحرام، كما أنه فرصة للثبات والالتزام على الاستقامة، وأن يُري كل منا الله من نفسه خيرا، ويُري أهل المعصية ممن كانوا حوله أنه قد تغير ولن يعود بأي حال إلى الطريق الذي كان عليه قبل رمضان.
أما فيما يتعلق بإتقان الفرائض، فإن أحب ما يتقرب به العبد إلى ربه هو أداء الفريضة، حسب ما جاء في الحديث القدسي (ما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) [البخاري]، ينبغي علينا أن نجتهد بإتقان الفرائض حتى تُرفع إلى الله تعالى كاملة متقنة فيحصل القبول وننال رضا المولى تبارك وتعالى عنا.
الأمر الثالث هو أداء النوافل على قدر الاستطاعة، فالنوافل هي باب محبة الله تبارك وتعالى، وفقا للحديث القدسي: (ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.
وهكذا، إذا سلكت درب النوافل ستنال رتبة المحبة عند الله تبارك وتعالى.
أما الأمر الرابع هو الحرص على حضور مجلس علم ولو مرة واحدة في الأسبوع، نحن قوم ننسى، ونحتاج للتذكرة والتواصي والتناصح من وقت لآخر، وحضور مجالس العلم يذكر الإنسان بالطاعات، ويشجعه على إتقان العبادات، فما من مسلم يخرج من رمضان إلا وهمته عالية، ولديه عشرات القرارات التي ينوي بها الاستمرار على نفس الحالة الإيمانية التي استمدها من موسم الطاعة والعبادة، لكنه خلال أسبوع سينسى جزءا من هذه القرارات، وبعد شهر سينسى جزءا آخر، وإذا دار العام لن يبقى من كل ما نوى فعله إلا القليل، ولا يدري هل يستطيع أن يوفي ببعض ما قطعه على نفسه من عهود مع الله، أم ستذهب جميعا ويعود إلى ما كان عليه سابقا، وعلاج ذلك كله يكون بالمداومة على حضور مجلس علم باعتباره بابا للتذكرة، ومحطة للتناصح والتعاون على البر والخير، تجعل المرء يقاوم فتنة دعاة الحرام الذين لا يزالون ينفخون في أبواقهم لصرف المؤمنين عن سبيل الحق.
إن ارتباط المسلم بمجالس العلم يقيه من الزلل والانتكاس بعد رمضان، ويجعله في حضرة الله يقطع عهد جديدا على نفسه بالاستقامة وترك الحرام، معتصما بنفس الأجواء الإيمانية والصحبة الصالحة التي صاحبها في أيام رمضان ولياليه المباركة، كما أن مجالس العلم تعين المسلم على الطاعة، وتقوي همته على الاستمرار بلا فتور، وتبعث في نفسه السكينة والطمأنينة، فإذا استطاع الإنسان ضبط إيقاع حياته على البعد عن الحرام وشبهاته، والتزام الفرائض والنوافل، والمواظبة على مجالسة العلماء، سيكون ذلك بمثابة سياج حماية له من الزلل والنكوص، يجعله يحيا في رعاية وكنف الله سبحانه.
وما على المرء إلا السعي، ونسأل الله القبول.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت